جَاءَنَا اليَوْمُ البَرِيِدْ؛ وَالخَبَرُ السَّعِيِدُ التَّلِيِدْ، فَفَزِعْنَا إِليْه؛ وَتَحَلَّقْنَا عَلَيِهْ.
فَلَمَّا فَتَحْنَا المَظْرُوفْ، فِإِذَا بِالخَبَرِ المُنِيِفْ؛ والذِّكْرِ الشَّرِيِفْ، يُشَنِّفُ أُذُنَ كُلِّ أَنِيِفْ:
“جَاءَتْنَا أَخْبَارٌ مِنْ غَزَّةْ؛ أَهْلِ الكَرَامَةِ والعِزَّةْ.
وكُنُّا في جَمْعٍ من الرِّفاقْ؛ نَتَعَاطَى الحَدِيِثَ عَن الإتفَّاق.
فَإِذَا بِالخَبَرِ المَاحِقْ؛ يَنْزِلُ بِالعِدَا كَالصَّوَاعِقْ.
فَقَالَ القَوْمُ مَا الخَطْبْ؟ وَلِمَاذَا اشْتَدَّ الكَرْبْ؟.
قُلْنَا لَهُمْ الصَّبْرَ الصَّبْرْ؛ فَبَعَدَ كُلِّ لَيْلٍ فَجْرْ.
وَلَمَّا تَدَاوَلَتِ الإِذَاعَاتُ الأَنْبَاءْ؛ وَذَاعَتْ فِي الأُفْقِ مَعْ حُلُولِ المَسَاءْ.
بُهِتَ القَوْمْ؛ وَصَارُواْ كَالبُومْ.
مَالَكُمْ يَاقَوْمُ حَدَّثُونَا؛ وَعَنِ الرَّكْبِ أَخْبِرُونَا.
فَزَّفَّ إِليْنَا الخَبَرَ قَرْم؛ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيِمَ اليَوْمْ.
قَدْ غَدَا لِحَمَاسٍ رَئِيِسَا؛ وَلَسَوْفَ يُجرِّع النِّتْنَ تَبْخِيِسَا.
وَمَنْ هَذَا أَبُو إِبْرَاهِيِمُ المَذْكُورْ؟ فَقَالَ عَجَبَاً أَتَنْسَى الصَّارِمَ المَشْهُورْ؟!
لَقَدْ أَطَلَّ عَلَيْهُمُ السِّنْوَار؛ وَغَشِيَ بَنِي صِهْيَوْنَ الجَبَّارْ.
وَمَاذَا عَنْ هَذَا السِّنْوَار؟هَلْ وَرَدَتْ عَنَهُ أَخْبَارْ؟
فَقَالَ لِي: بِيَقِينٍ نَعَمْ؛ وَالدَّلِيِلُ لَمَّا غَشِيَهُمُ الهّمّْ.
قُلْتُ: وَمَاذَا عَن الدِّمَاءِ والأَطْفَالْ؛ وأُوُلَئِكَ الأَيَامَى وَالثِّكَالْ؟فقد صاروا في أسوأِ حَالْ.
قال لاعَلَيْكْ؛ وشَمِّرْ سَاعِدَيْكْ؛ وقُلْ لِغَزَّةَ لَبَّيْكْ؛ ولِلِمَجْدِ سَعْدَيْكْ؛ ولِكُلِّ شَانِئءٍ حَنَانَيْكْ، وَلِلمُوُغِرِ الْحَتْفُ بَيْنَ عَيْنَيْكْ.
فَلَقَدْ جَاءَ البَطَلُ السِّنْوَارْ؛ كالسَّيْلِ الجَرَّارْ؛ والغَيْثِ المِدْرَارْ؛
والبَحَرِ المُتَلاَطِمْ ؛ والدَّفْقِ المُتَلاَحِمْ والْقَدَرِ المُتَعَاظِمْ.
أَمَا سَمِعْتَ عَنْهُ مِنْ ذِي قَبْلْ؟ أَمَا طَرَقَتْ مَسَامِعَكَ قِرَاعُ النَّبْلْ؟
فَهَذَا الزَّعِيِمُ يَحْيَى؛ هَاجَ بِهِ الأَحْيَاءُ وَالْمَوْتَى.
فَقَالَ لي: إِيَّاكَ إِيَّاكَ لاتُبَالِغْ؛ فَقَدْ بَلَغَتْ الأَرْوَاحُ مِنهُم اللَّغَالِغْ.
قُلْتُ لَهُ: انْتَظِرْ قَلِيلاً؛ وَسَتَسْمَعُ مَايُبَدِّدُ الْقِيِلَا.
وَلَكِنْ دَعْنِي أُخْبِرْكَ بِالأَهَمْ؛ والخَطَبِ الأَلِيِمِ المُدْلَهِمْ.
قَالَ: هَاتِ هَاتْ؛ فالْقَلْبُ فِي شَتَاتْ؛ وَالنَّفْسُ فِي مَوَاتْ؛ فَلَعَلَّ خَبَرَاً مِنْ هُنَاكْ؛ يَبْعَثُ القَلْبَ الشَّاَكْ.
أَمَا تَرَى النَّاسَ أَصَابَهُمُ البَاسْ؛ وتَلَفَّعُوا الحُزْنَ وَلَاَ مِنْ مُوَاسْ.
قُلْتُ: السِّنْوَارُ المِغْوَارْ؛ جَاءَهُمْ بِفَصْلِ الْقَرَارْ.
فَخَافَ مِنْهُ الأَنْدَالُ العِرْبَانْ؛ واَرْتَعَدَتْ فَرَائِصُ بَنِي سَعْدَانْ!
قَالَ: وَمَنْ يَاتُرَى بَنُو سَعْدَانْ؟
فَقُلْتُ هَؤلاءِ خَزَرُ الدِّرْعِيَّهْ؛ وَأَصْلُ كُلِّ عَنَتٍ وَبَلِيَّهْ.
شُهْرَتُهُمْ فِي النَّاسِ بَنُو سُعُوُدْ؛ وَهُمْ مِنْ الْخَلْقِ أَشَرُّ مَنْكُوُدْ.
بَاتَ سَيِّدُهُمْ البَارِحَةْ؛ فِي هُمُوُمٍ مُتَرَاكِبَةٍ قَارِحَةْ.
وَصَارَ يُقَلِّبُ أَخْمَاسَاً فِي أَسْدَاسْ؛ وَمَنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ اِحْتَبَسَ الأَنْفَاسْ. وَمَا شَأْنُ بَنِي سَعُوُدْ؛ بِمُحْتَلِّي فِلِسْطِيِنَ يَهُوُدْ؟
قُلْتُ: وَاللهِ لَايَنْقَضِي عَجَبِي؛ وَلَايَكَادُ يَنْتَهِي عَتَبِي.
إِذْ كَيْفَ نَسِيِتُمُ التَّأَرِيِخْ؟ وَمَادَوَّنَهُ أُوُلَئِكَ الشَّمَارِيِخْ؟
أَنَّ بَنِي سُعُودَ مِنْ الْخَزَرْ، وَبَنِي عُمُومَتِهِمْ أَصْلُ الْكَدَرْ.
فَقَدْ اِحْتَلَّ بَنُو سُعُودٍ الْحَرْمَيْنْ؛ واَحْتَلَّتْ يَهُوُدُ ثَالِثَ الْمَسْجِدَيْنْ، فَكِلَاهُمَا عَلَى الأُمَّةِ لَعْنَةْ؛ وَقَدْ أَوْقَعُوهَا فِي كُلِّ مِحْنَةْ، وَلَوْلَا وُجُودُ بَنِي سُعُودْ، لَمَّا ظَلَّتْ فِي فِلِسْطِيِنَ يَهُوُدْ، وَلَمْ تُرْفَعْ لَهُمْ رَايَةْ، وَ لَمْ تَتَحَقَّقْ لَهُمْ غَايَةْ.
فَبَنُو سُعُودٍ هُم السَّابِقُونْ، وَبَنُو صِهْيَوْنَ هُم الَلَّاحِقُونْ.
فَهَلْ فَهِمْتَ السِّرْ، وَتَدَبَّرْتَ اَلأَمْرْ؛ وَسَبَرْتَ الْغَوْرْ؟
أَمَا سَمِعْتَ قَنَاةَ الْعِبْرِيَّةْ؛ النَّاطِقَةَ بِلِسّانِ الْعَرَبِيَّةْ.
إِذْ هَرَعَتْ وَفُجِعَتْ، وَأنَّتْ وَتَوَجَّعَتْ. لِمَقْبَلِ الرَّجُلْ،وَالخَطْبِ الْجَلَلْ. فَصَارَتْ تَدُورُ فِي الرَّحَى، كَمَا يَدُورُ بُومُ النَّوَى. وَالْيَوْمُ دَخَلَ السِّنْوَارْ، وهو يُلوِّحُ فِي إِصْرَارْ، لَاَسَلَامَ وَلَاقَرَارْ، إِلَّا بَعْدَ الإِقْرَارْ، إِما تَكُوُنُ فِلِسْطِيِنُ كُلَّهَا؛ أَوْ سَنَقْلِبُ عَالِيَهَا أَسْفَلَهَا. وأَنَّ فِلِسْطِيِنَ لِلأُمَّةْ، وَالْمُحْتَلُّ عَلَيْهَا نِقْمَةْ. دَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيِمْ، لِيَقُولَ لِكِلِّ بَهِيِمْ، الصُّلْحُ ضَعْفٌ وَذِلِّةْ، وَأَنَا لَسْتُ مِمَّنْ يَرْضَى الْمَذَّلَّةْ. وَعَلَى السِّنْوَارِ اِنْعَقَدَ الإِجْمَاعْ، وَاَجْتَمَعَ عَلَيْهِ الأَتْبَاعْ.
إِلَّا مَرْضَى النُّفُوسْ، وَكُلُّ مُنَافِقٍ وَجَاسُوسْ. وَالسِّنْوَارُ الأَدِيِبْ، حَاذِقٌ أَرِيِبْ. يَعْرِفُ كَيْفَ يَدْخُلْ، وَلِعُقُولِ الصَّهَايِنَةِ يُحَلِّلْ. فَهُوَ الْخَبِيِرُ بِهِمْ، وَبِأَخْبَارِ خَوْفِهِمْ وَأَمْنِهِمْ. وَالسِّنْوَارُ فِي السِّجْنْ، كَانَ كَالْمَتْنْ، وِمِن الجَبَلِ كَالقُنَنْ، وِمِن الشَّجَرَةِ كَالفَنَنْ. لَاَيَكِلُّ وَلَاَيَمَلْ. وَلَايَضْجَرُ وَلَا يَضِلْ. رَابِطُ القَلْبْ،يَخَلَعُ الُّلبْ. عَصِيُّ الصَّبْرْ، مُحْكَمُ الأَمْرْ. رَضِيُّ الشِّيِمَةْ، ثَابِتُ العَزِيِمَةْ. صَاحِبُ هِمَّةٍ مَوَّارَةْ، وَرُوُحٍ جَبَّارَةْ. قَنَاةٌ لَاتَلِيِنْ،وَنَفْسٌ لَاتَهُونْ. وِمَنْ فَضَائِلِهِ؛ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَضَحَ المُنَافِقِينْ، وَحَاسَبَ المَارِقِينْ، وَنَكَّلَ بِالْمُتَخَاذِلِينْ. يَعْفُو عَن الْهَفْوَةْ، وَيُقِيِلُ الْكَبْوَةْ، وَلَكِنَّ الْخِيَانَةَ فِي قَامُوسِهِ أَعْظَمُ نَبْوَةْ. أَجَادَ بِلَوْذَعِيَّتِهِ الُّلغَةَ الْعِبْرِيَّةْ، وَفَهِمَ خُطَطَ إِسْرَائِيِلَ الأَمْنِيَّةْ. قَلِيلُ الْكَلَامْ، جَزِيِلُ الْكِلَامْ. صَاحِبُ دَلٍّ وَسَمْتْ ، وَهَدْيٍ وَصَمْتْ. دَخَلَ السُّجُونْ، وَعَرَكَتْهُ السُّنُونْ. اُبْتُلِيَ فِي سِجْنَهْ؛ وَعَانَى مِنْ وَهَنِهْ. فَعَالَجَتْهُ مَشَافِي الطَّاغِيَةْ، لِنُوْقِنَ أَنَّ سُنَّةَ اللهِ مَاضِيَةْ. فَكَمَا أَنَّ مُوسَى رَبَّاهُ فِرْعُونْ، فَكَذَلِكَ سَخَّرَ لِيَحْيَى جَدْعُوُنْ.
سَمِعَ العَالَمُ كَلِمَتَهُ المَشْهُورَةْ،يَتَوَّعَدُ النَّتْنَ بِالِّلَيْلَةِ الْمَمْهُورَةْ، وَالْخَيْبَةِ الْمَسْجُورَةْ، وَالَّلعْنَةِ الْمَثْبُورَةْ. أنْ سَتَنْدَمُ عَلَى يَوْمِ مِيِلَادِكْ، وتَنْدُبَ فِي حَظِّكَ وِعِثَارِكْ. وَالنِّتْنُ صَارَ مَعَهُ فِي وَرْطَةْ، إِذْ كَانَ إِخْرَاجُهُ مِنْ السِّجْنِ غَلْطَةْ. وَلَكِنْ مَاكُلُّ غَلْطَةٍ مَرْجُوعَةْ، لَأَنَّ الوَرْطَةَ مَعْ السِّنْوَارِ فَظِيِعَةْ.
فَقَدْ خَرَجَ السَّهْمْ، وَاسْتَوْسَقَ الهَمْ،. وَعَظُمَ الكَرْبْ، وَاشَتَدَّ الخَطْبْ. وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ الأَبَدِيَّةْ، فِي أَصَحَابِ العُقُولِ النَرْجِسِيَّةْ. لأَنَّهُمْ بِخُبْثِ طَوِيَّتِهِمْ، يُوُقِعُهُمُ اللهُ فِي خَزِيَّتِهِمْ.
وَاليَوْمُ إِنَّا لَمُنْتَظِرونْ، وَعَلَى الرَّغَبِ صَابُرونْ. عَمَّا تُسْفِرُ عَنْهُ هَاتِيِكَ القَرَارَاتْ، الَّتِي سَوْفَ تُتَّخَذُ مِنْ خُلَلِ القَنَوَاتْ. وَمِنْ أَجَلِّ صِفَاتِ الزَّعِيِمْ، أَنَّهُ كَانَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيِلْ، عَلَى كُلِّ عَمِيلْ، وَكُلِّ مَدْسُوسٍ دَخَيِلْ.
فَهُوَ كَالمَوْتِ الزُّؤَامْ، فِي قُلُوبِ الِّلئَامْ. وَقَدْ أَسَّسَ مَجْدْ، لِيَقْضِي عَلَى كُلِّ وَغْدْ.
ظَنَّتْ يَهُودْ، فِي تَفْكِيِرٍ بَلِيدْ؛ وَعَقْلٍ كَدِيدْ؛ أَنَّهُمْ بِاغْتَيَالِ الشَّهِيِدْ. هَنَيَّةَ شَمَّر؛ الشَّهْمِ المُظَفَّرْ؛ مَعْقِدِ المَجَدِ وَمَعْدِنِ الجَوْهَرْ. نَاسِكِ الأَبْطَالْ، وَبَطَلِ النِّزَالْ، قَدْ قَضَواْ عَلَى النِّضَالْ، وَرَمْيِ النِّصَالْ؛ ولَكِنَّ ذَلِكَ مُحَالْ.
وَقَدْ سَرَى فِي الحِجَازْ؛ بِلَادِ الوَحِيِ وَالإِعْجَازْ، مَثَلٌ شَهِيرْ، كَالسَّيْفِ الطَّرِيرْ، “مَنْ لَمْ يَرْضَ بِالحُمَّى، وَتَوَخَّى الطُّرُقَ المُدْلَهِمَّةْ. فَسَتُرْضِيِهِ النَّفَّاضَةْ، والآلامُ المُبرِّحَةُ العَاضَّةْ.
أَمَا مَضَى مِنْ قَبْلُ أَحْمَدْ يَاسِيِنْ، وَلَحِقَهُ الرَّنْتِيِسي فِي الخَالِدِينْ؟!
وَمَازَالَ القَوْمُ فِي رَبَاطَةِ جَاشْ، مِنْ بَعْدِ يَحْيَى بِنِ عَيَّاشْ. وَقَدْ مَضَى الجَعْبَرِيْ؛ صَاحِبُ العَقْلِ العَبْقَرِيْ. ثُمَّ تَهَادَى لِلشَّهَادَةْ، صَلَاحُ الدِّيِنِ شِحَادَةْ. وَتَبِعَهُمُ العَارُورِيُّ فِي بَيْرُوُتْ، وَالحُزْنُ قَدْ عَمَّ كُلَّ البُيُوتْ. وَلَانَنْسَى أَبَا الإِنْتِفَاضَةِ الغُولْ، لَمَّا أَوْقَعَ القَوْمَ فِي أَمْرٍ مَهُولْ. وَهَلْ نَسِيَتْ غَزَّةُ الشَّيْخَ نَزَارْ؟ ابْنَ رَيَّانَ وَفَضَائِلَهُ الغِزَارْ؟ وَكُلُّ هَذَا السَّرْدْ، يُثْبِّتُ فِكْرَةً لَاتَنْهَدْ. أَنَّ المُقَاوَمَةَ جُهْدٌ وَفِكْرَةْ، وَالفِكِرَةُ لَاتَمُوتُ بِالمَرَّةْ؛ وَإِنْ حَاوَلَ النِّتْنُ أَلْفَ كَرَّةْ. وَهَذا دَلِيلٌ حِسِيْ، وَبُرْهَانُ مَنْطِقِيْ. وَلَكِنْ مَنْ أَعْمَى اللهُ بَصَرَهْ، يَلْهَثُ دَوْمَاً تَابِعَاً غَرَرَهْ. وِبِهَذَا يَنْتَصِرُ الحَقْ، وَيَنْتَشِرُ فِي الأَرْضِ الصِّدْقْ .فَيَعُودُ الظَّالِمُ كَسِيِرَا؛ والمُتعَالِي المَغْرُورُ حَسِيِرَا.
وَالسِّنْوَارُ سَيُوَاجِهُهُ طَرِيقَانْ؛ وَذَلِكَ فِي عَلاقَتِهِ يِإِيِرَانْ. وَسَيَلْقَى مِنْ البَعَضِ مَشَقَّةْ؛ وَعَنَتَاً فِي الدَّرْبِ وَشُقَّةْ. وَلَكِنَّهُ صَعْبُ المِرَاسْ؛ صَلْبُ الأَتْرَاسْ. قَنَاعَتُهُ رَصِيِنَةْ؛ وَدِرْعُهُ حَصِيِنَةْ. وَمَهْمَا شَغَّبَ عَلَيْهِ المُشَاغِبُونْ؛ وَتَنَاوَلَ مَوَاقِفَهُ المُناوِئِونْ. فَهُوَ لَنْ يُلْقِيَ لَهُمْ بَالَا؛ وَلَنْ يَمْنَحَهُمْ إِلَّا إِهْمَالَا. وَمَعَ جَسَارَةِ الدَّرْبْ ؛ وَصَلِيِّ الحَرْبْ. فَالمَأْزُومُون تَرَكُواْ وَاضِحَاتِ الطَّرِيِقْ؛ وَحَصَرُواْ أَنْفَسَهُمْ فِي أَضِيْقِ مَضِيِقْ. وَتِلْكَ هِيَ نُفُوسُ البَشَرْ؛ فَفِيِهَا العَاقِلُ وَمِنْهَا المُبْتَسَرْ. وَفِي نِهَايَةِ المَطَافْ؛ لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَطْوَافْ. حَوْلَ مَعَارِجِ العُلَى؛ وَمَكَامِنَ الرَّدَى. وَالحَصِيِفُ الَّلبِيِبُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهْ، لِيَتَبَيَّنَ وَضَحَ الدَّرْبِ مِنْ غَلَسِهْ. وَلَسْنَا مِمَّنْ يُكِرِهُ النَّاسَ عَلَى المَذْهَبْ؛ وَإِلَّا لَمَا بَقِيَ لِلْخَلْقِ مَأرَبْ. وَخَلَقَنَا اللهُ مُخْتَلِفِيِنْ؛ لِيَخْتَبِرَ فُهُومَنَا فِي الدِّينْ. وَكَانَ اللهُ فِي عَوْنِ المُجَاهِدِيِنْ؛ مِنْ عُوَاءِ كُلِّ خَتَّارٍ لَعِينْ. وَسَلَامٌ عَلَى غَزَّةٍ فِي العَالَمِينْ؛ وَبَرَاءَةٌ إِلَى اللهِ مِنْ شِقْوَةِ الظَّالِمِينْ”.
وُهُنَا انْتَهَتِ الرِّسَالَةْ؛ عَنْ أَهْلِ المُرُوءَةِ وَالبَسَالَةْ. فِي غَزَّةِ هَاشِمْ؛ وَأَرْضِ المَلَاحِمْ. وَهِيَ تَقُولُ فِي سُرُورْ؛ وَتَنْقَلِبُ فِي حُبُورْ: وَالأَخْبَارُ فِي قَادِمِ الأَيَّامْ؛ وَعَلَيْكُمْ مِن اللهِ وَفِلِسْطِين السَّلَامْ.وَودَّعَنَا وُهُوَ يُنْشِدُنَا؛ أَبْيَاتَاً مِن الشِّعْرْ؛ وَهُوَ يَهْتِفُ بِالنَّصْرْ:
وَاللهِ لَــوْ جَرَفَ العَدُوُّ بُيُوتَنَا
وَ رَمَتْ بِنَا خَلْفَ المُحِيِطِ زَوَابِعُ
لَـــظَلَلْتُ أُؤْمِــنُ أًنَّ أُمَّــــتَنَا لَهَا
يَوْمٌ مِـــنْ الأَمْــجَــادِ أَبْيَـــضُ نَاصِـــــعُ
أَنَا لَنْ أَمَلَّ مِن النِّدَاءِ فَرُبَّمَا
أَجْـــدَى؛ نِــــدَاءٌ مِــــــــنْ فُـــــؤَادِي نَابِـــــعُ